سلام عليكم يا أصحاب الأيادي البيضاء ، يا من تمسحون دموع الباكين ، وتسدون جوعة الجائعين ، وتكسون الفقراء بين حين وحين ، وتدخلون الفرحة على القلوب الحزينة ، وتكفّون المحتاج عن سؤال البخلاء واللئيمين ، وتسهلون درب التعلم والمتعلمين .
يا لوجوهكم البيضاء ما الذي بيضها ؟ ! إنكم بعيونكم نظرتم إلى حال الفقير ، وبأذنيكم سمعتم منه الشكوى والأنين ، وبألسنتكم طيبتم الخواطر فقدتم الخير الوفير .
هل كان دافعكم إلى الإحسان آيات الذكر الحكيم التي تثني على من أنفق ماله فغدت حسناته سنابل تتضاعف ؟ أم أخذتم عبرة من قصة أصحاب الجنّة في القرآن الكريم حين منعوا العطاء عن المساكين فخسروا دنيا ودين فما كان منكم إلا أنكم حصنتم أموالكم بالصدقات ؟ أم أنكم خشيتم على أعراضكم فعلمتم أن الصدقة تحفظها وتصونها فقدمتموها لله خالصة ، أم خفتم من غضب الله فقدمت الصدقات إسراراً ، أم أن الأخوة بالدين دفعتكم إلى مد يد العون للقريبين والبعيدين ؟ .
أيها المحسنون ... أنتم تجار ماهرون تعلمون مصادر الربح ، وأن الصدقات لا تنقص المال بل تزيده ، وأن ما أنفقتم في الصدقات هو ذخر لكم في الحياة وفيما بعد الممات ، لقد وجدتم العمر قصيراً ، والعمل قاصراً أن يوفي شكر الله على نعمه ، فأحدثتم مشاريع تضمن لكم جريان ثواب العمل وإن قطع حياتكم الأجل ، فهناك يسرتم حفر بئر ، وهنا علمتم جاهلاً ، وفي ذاك المكان أنفقتم على يتيم فكففتم عنه مذلة السؤال ، وهنا نشرتم العلم وبنيتم مؤسساته ، وهناك ساهمتم بعلاج مريض أوشك الألم أن يذهب به .
أيها المحسنون : منكم نتعلم كيف يكون المال أداة لسعادة الإنسان ، فالغني الشاكر بالمال يسعد ويُسعد المحروم ، لقد رسا في وجدانكم أن هذا المال لله أودعه في أيديكم ليعلم كيف أنتم به فاعلون ؟
لقد اجتهدتم أن يكون مالكم حلالاً حتى يقبل الله صدقاتكم ، وأنفقتموه على عيالكم فوسعتم النفقات بقدر ما وسع الله عليكم ورأيتم أن شكركم لله على ذلك لا يكون إلا بالإنفاق فبدأتم بمن تعولون ، وأحصيتم من الفقراء الأقرباء مَن تعرفون فكان وصالكم لهم بالمال بعد زيارتهم شكراً للمنعم وبالشكر تدوم النعم وتدفع النقم .
إنكم لم تعيشوا لأنفسكم بل تعدت اهتماماتكم إلىى أبناء وطنكم فتحسستم حاجاتهم ، وأمددتموهم بما تستطيعون ، وأنتم الآن تفرحون ، ففي كل عام نصيب الفقراء من الزكاة تزيد نسبته من أموالكم ، وهذا يعني نماء في أموالكم وصحة في ابدانكم وسعادة في قلوبكم .
أنتم – أيها المحسنون - أكثر الناس تنعماً وفرحة بالعيد لأن أكفّ من أحسنتم إليهم وألسنتهم تلهج بالدعاء لكم أن يسعدكم الله كما أدخلتم السرور عليهم وأن يزيدكم من فضله .
بشرى لكم هذه الحسنات التي تزيد قلوبكم رقة وتفكيركم دقة فتزيد الهمة وتدفع النقمة وتقربكم إلى الله والناس محبة .